
نقلا عن وكاله قنا بتصرف
في ظل التحديات البيئية المتزايدة التي تواجه العالم والمنطقة، خاصة تلك المرتبطة بتزايد كميات النفايات واستنزاف الموارد الطبيعية، باتت مبادرات إعادة التدوير تمثل توجهاً استراتيجياً لتحقيق الاستدامة والمحافظة على البيئة.
وفي هذا السياق، يمثل “مركز معالجة النفايات الصلبة والمنزلية في مسيعيد” أحد الأعمدة الأساسية لتحويل النفايات من عبء بيئي إلى مصدر قيمة، عبر اعتماد تقنيات حديثة تعزز مفهوم الاقتصاد الدائري وتسهم في تحقيق أهداف الاستدامة.
ويضطلع المركز بدور جوهري في صون البيئة من خلال فرز النفايات بطرق فعالة، وتحويل كميات كبيرة من المخلفات العضوية والبلاستيكية والمعدنية إلى مواد يعاد استخدامها، في انسجام مع أهداف رؤية قطر الوطنية 2030 في مجال التنمية المستدامة.
وقد بدأ تشغيل المركز فعليًا عام 2011، وتديره شركة “كيبل سيجرز” السنغافورية بموجب عقد تشغيل وصيانة لمدة 20 عامًا. ويُعد المشروع الأول والأكبر من نوعه لمعالجة النفايات المنزلية والصلبة في منطقة الشرق الأوسط.
شهد المركز مراحل عدة، بدأت بالتخطيط بناءً على دراسات بيئية وهندسية دقيقة، تلتها مرحلة التنفيذ من 2006 حتى 2010، وتضمنت إنشاء مرافق متكاملة تشمل وحدات فرز ومعالجة، ومحارق آمنة لإنتاج الطاقة، إلى جانب وحدة متخصصة في إنتاج السماد باستخدام أحدث التقنيات.
ثم دخل مرحلة التشغيل التجريبي، والتي كانت نتيجة لجهود تخطيط وتنفيذ دقيق، قبل الانتقال إلى التشغيل الفعلي المستمر الذي يستقبل خلاله المركز يوميًا كميات كبيرة من النفايات، تتم معالجتها وتدويرها دعماً لأهداف الدولة البيئية.
وتبلغ القدرة الاستيعابية للمركز حوالي 2200 طن يومياً، ويختص بمعالجة النفايات المنزلية والصلبة غير الخطرة، إلى جانب التخلص من الحيوانات النافقة، والمخلفات النباتية، ومخلفات المقاصب.
وفي تصريح خاص لـ”قنا”، أوضح المهندس حمد جاسم البحر، مدير إدارة تدوير ومعالجة النفايات بوزارة البلدية، أن المركز يهدف إلى إيجاد حلول بيئية فعالة تضمن استدامة الموارد، واسترجاع المواد القابلة لإعادة التدوير، وتوليد الكهرباء، ضمن خطة وطنية متكاملة.
وأشار إلى أن موقع المشروع في المنطقة الصناعية بمسيعيد اختير بعناية، ليكون مركزًا شاملاً لمعالجة النفايات وتحويلها إلى طاقة، بما يجسد التزام الدولة بمضامين رؤية قطر الوطنية 2030 وتحقيق تنمية شاملة تحسن جودة الحياة.
ويضم المركز عدداً من المرافق، من بينها وحدة إنتاج السماد العضوي، ووحدة تحويل النفايات إلى طاقة تُستخدم في تشغيل المركز، ومدفن هندسي يُعالج الرماد الناتج عن عمليات الحرق بطريقة مستدامة، فضلاً عن وحدة فرز المواد القابلة لإعادة التدوير.
وبيّن المهندس البحر أن من أبرز إنجازات المركز تقليل الاعتماد على مدافن النفايات التقليدية، ومعالجة كميات ضخمة من النفايات بطرق صديقة للبيئة، وإعادة توزيعها على مصانع التدوير، أو تحويلها إلى طاقة كهربائية ترفد الشبكة الوطنية، كما يعتمد المركز على الطاقة التي يولدها ذاتيًا لتقليل الاستهلاك.
وأكد أن المركز يساهم بفعالية في دعم الاقتصاد الدائري من خلال تقليل الفاقد وإعادة استخدام الموارد، مشيرًا إلى أن المواد المفروزة مثل البلاستيك والمعادن يتم توفيرها مجانًا لمصانع إعادة التدوير، في إطار مبادرة وطنية لتعزيز الاقتصاد المستدام.
وأوضح أن المركز لعب دورًا بارزًا منذ 2011 في حل مشكلة النفايات المنزلية التي كانت تُدفن سابقًا، ومع التطور العمراني والزيادة السكانية في السنوات الأخيرة، خاصة مع استعدادات الدولة لاستضافة بطولة كأس العالم FIFA قطر 2022، تمكن المركز من التكيف مع الزيادة في حجم النفايات الناتجة عن الأنشطة المختلفة.
وحققت الدولة إنجازًا كبيرًا عبر المركز خلال البطولة، تمثل في الوصول إلى معدل صفر نفايات في المكبات لجميع النفايات الناتجة من الملاعب والمرافق، وهو إنجاز غير مسبوق في تاريخ الفعاليات الرياضية، وقد سبقه التخطيط لذلك خلال كأس العرب 2020.
كما أسهم المركز في وضع معايير جديدة لإدارة النفايات في المناسبات الكبرى مثل (كأس العرب 2020، كأس العالم 2022، كأس آسيا 2023)، ووضعت الوزارة استراتيجية لمعالجة نفايات البطولات، ترتكز على نقل النفايات إلى مركز مسيعيد وتقليل الطمر وزيادة معدلات التدوير.
ويعالج المركز يومياً نفايات من مختلف مناطق الدولة، محققًا قيمة مضافة منها، بدلاً من اعتبارها عبئًا، كما يساهم في القطاع الزراعي بإنتاج السماد المستخدم في الحدائق والمزارع والمرافق العامة، ويتم توزيعه مجانًا للمواطنين.
وبحسب المهندس البحر، تُنقل النفايات إلى المركز من أربع محطات ترحيل تابعة للوزارة، ويتم ضغطها وتحميلها في شاحنات، ومن ثم وزنها وتوثيقها قبل معالجتها، مشيرًا إلى أن المركز استقبل منذ تأسيسه ما يقارب 9 ملايين طن من النفايات.
وينتج المركز أنواعًا متعددة من المواد، من بينها السماد العضوي والأخضر بكمية تبلغ حوالي 40 طناً يومياً، وسماد من النفايات المنزلية بنحو 170 طناً يومياً، كما يُنتج 48.8 ميغاواط من الكهرباء يوميًا تُغذى إلى الشبكة العامة.
كما يُنتج غاز الميثان الحيوي الذي يُستخدم أيضًا في توليد الكهرباء، إضافة إلى فرز المواد القابلة لإعادة التدوير كالحديد والمعادن غير الحديدية والبلاستيك.
وفيما يتعلق بخطط التوسعة المستقبلية، أوضح البحر أن المركز مصمم للتعامل مع النفايات المنزلية غير الخطرة، إلى جانب المخلفات النباتية والحيوانات النافقة، مشيرًا إلى خطة مستقبلية لزيادة السعة الاستيعابية لتصل ما بين 2500 إلى 3000 طن يوميًا.
وأكد حرص الوزارة على التعاون مع القطاع الخاص لتطوير منظومة إدارة النفايات، مضيفًا أن المركز لا يقتصر فقط على دوره البيئي، بل يقوم أيضًا بدور توعوي في ترسيخ ثقافة الاقتصاد الدائري بين أفراد المجتمع.
ويُعد مركز معالجة النفايات بمسيعيد نموذجًا متقدمًا في إدارة الموارد والنفايات، وشاهدًا على تحوّل التحديات البيئية إلى فرص لتحقيق مستقبل أكثر خضرة واستدامة.
