
نقلا عن وكاله قنا بتصرف
كشف فريق بحثي من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) عن اكتشاف نوع جديد وغير مسبوق من المغناطيسية، يُعرف باسم “المغناطيسية من النوع بي” (p-wave magnetism)، في خطوة يُتوقع أن تُحدث تحولاً جذرياً في تقنيات الإلكترونيات الحديثة، وتمهد الطريق لجيل جديد من الأجهزة عالية الكفاءة في مجالات الحوسبة والتخزين والمعالجة.
وذكر الفريق أن هذا الشكل المغناطيسي الفريد تم رصده لأول مرة في بلورة يوديد النيكل، حيث أظهرت الإلكترونات داخل المادة ترتيبًا حلزونيًا غير تقليدي، يختلف تمامًا عن الأنماط المعروفة في المواد المغناطيسية التقليدية، مثل الفرومغناطيسية والمغناطيسية المضادة للفرومغناطيسية. ويمثل هذا الترتيب الإلكتروني حالة كمومية معقدة نادرة الحدوث في الطبيعة.
وأشار الباحثون إلى أن ما يميز هذا الاكتشاف هو إمكانية التحكم في هذه الحالة المغناطيسية الجديدة عبر مجال كهربائي ضعيف يتم توليده باستخدام ليزر مستقطب دائريًا، وهو ما يوفر وسيلة دقيقة وفعالة للتحكم في خواص المواد المغناطيسية على المستوى الذري، دون الحاجة إلى مجالات مغناطيسية قوية أو درجات حرارة مرتفعة، كما هو الحال في المواد التقليدية.
ويرتبط هذا الاكتشاف الواعد بتكنولوجيا ناشئة تُعرف باسم “الإلكترونيات المغزلية” (Spintronics)، وهي تقنية تقوم على استغلال خاصية دوران الإلكترون (Spin) إلى جانب شحنته لنقل ومعالجة البيانات. وتُعد هذه التقنية من أبرز مجالات البحث في فيزياء الكم، لما توفره من كفاءة طاقية تصل إلى 90% مقارنة بالإلكترونيات التقليدية، إلى جانب قدرتها على تسريع أداء المعالجات بما يقارب 500 ضعف السرعة الحالية.
ورغم القيمة العلمية العالية لهذا التطور، إلا أن أحد التحديات الكبرى التي تواجه التطبيق العملي لهذه التقنية يتمثل في أن المغناطيسية من النوع بي لا تعمل حالياً إلا عند درجات حرارة شديدة الانخفاض تصل إلى نحو -213 درجة مئوية (ما يعادل 60 كلفن)، ما يفرض قيودًا كبيرة على استخدامها في الأجهزة اليومية.
من جهته، صرح الدكتور ريكاردو كومين، الباحث الرئيسي في الفريق: “لقد أثبتنا من خلال هذه الدراسة أن هذه الحالات الكمومية موجودة وقابلة للرصد. الخطوة التالية تكمن في اكتشاف طرق مبتكرة لجعلها قابلة للتطبيق في الظروف البيئية العادية”. وأضاف أن فهم هذا السلوك الكمومي الجديد قد يسهم أيضاً في توجيه تصميم مواد مغناطيسية أكثر تطوراً في المستقبل.
ويأمل الباحثون أن تُسهم هذه النتائج في إحداث طفرة في تطوير أنظمة الذاكرة والمعالجات الإلكترونية ذات الكفاءة العالية، من خلال دمج الخصائص المغناطيسية الكمومية في بنيتها الأساسية، ما يفتح الباب أمام ثورة تكنولوجية مستقبلية في عالم الإلكترونيات الذكية، تمتد من الهواتف المحمولة إلى الحواسيب الفائقة، مرورًا بالذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية.
هذا ومن المقرر أن يُنشر البحث كاملاً في العدد القادم من مجلة Nature Physics المتخصصة، ما سيوفر للعلماء والمهندسين منصة بحثية جديدة لاستكشاف خصائص المواد الكمومية وتوسيع نطاق التطبيقات المستقبلية للإلكترونيات المغزلية.
