اقترح العلماء اليوم أن آلاف المرضى المصابين بشكل متقدم من سرطان الأمعاء قد لا يحتاجون إلى العلاج الكيماوي.
فما يقارب ثلث حالات سرطان الأمعاء تُشخَّص في المرحلة الثالثة، أي عندما ينتشر السرطان إلى العقد اللمفاوية المجاورة دون أن يصل إلى أجزاء أخرى من الجسم.
ووفقًا للإرشادات الحالية في المملكة المتحدة، يتضمن علاج المرحلة الثالثة إجراء عملية جراحية لإزالة الورم، يتبعها علاج كيماوي لتقليل خطر عودة السرطان.
لكن باحثين أستراليين اكتشفوا أن إجراء فحص دم متطور بعد الجراحة يمكن أن يحدد ما إذا كان المريض يحتاج إلى جرعة مخففة من العلاج الكيماوي أو لا يحتاج إليه إطلاقًا.
الفحص المعروف طبيًا باسم اختبار ctDNA يبحث عن شظايا دقيقة من الحمض النووي للورم التي تدور في مجرى الدم.
وعند تقييم المرضى الذين أظهرت نتائج فحوصهم بعد الجراحة خلوّ الدم من هذه الشظايا (نتائج سلبية)، قارن العلماء نتائج من تلقوا علاجًا كيماويًا منخفض الجرعة أو لم يتلقوا أي علاج كيماوي على الإطلاق، مع أولئك الذين خضعوا للعلاج التقليدي الكامل.
ووجد الباحثون أن المرضى الذين تلقوا جرعات أقل – خصوصًا المصابين بـ أورام من المرحلة الثالثة منخفضة الخطورة – انخفضت لديهم احتمالية الإصابة بالآثار الجانبية بشكل كبير، كما لم يكونوا أكثر عرضة للإصابة بعودة السرطان في شكل أكثر عدوانية.
ووصف الخبراء هذه النتائج بأنها “بالغة الأهمية”، مشيرين إلى أن الاختبار سيؤثر على أساليب العلاج خلال السنوات المقبلة، لكنهم حذروا من ضرورة إجراء مزيد من الأبحاث قبل تعميم النتائج.
يأتي ذلك في ظل الارتفاع المقلق في حالات سرطان الأمعاء بين من هم دون سن الخمسين، وهو الأمر الذي حيّر الأطباء حول العالم.
فقد ارتفعت معدلات الإصابة بالمرض – المعروف أيضًا باسم سرطان القولون – بنسبة 50٪ خلال العقود الثلاثة الماضية بين هذه الفئة العمرية، وهو المرض الذي أودى بحياة الإعلامية البريطانية الشهيرة ديبورا جيمس عن عمر 40 عامًا.
في التجربة العلمية التي وُصفت بأنها رائدة، تابع الباحثون نحو 1000 مريض مصاب بالمرحلة الثالثة من سرطان الأمعاء، أُجري لهم اختبار ctDNA بعد خمسة إلى ستة أسابيع من الجراحة.
وتبيّن أن 702 مريضًا كانت نتائج فحوصهم سلبية (خالية من الحمض النووي للورم)، ومن بينهم تلقى 353 مريضًا علاجًا كيماويًا مخففًا.
وخلال فترة متابعة استمرت ثلاث سنوات ونصف، تبين أن 6.2٪ فقط من المرضى الذين تلقوا جرعات أقل عانوا من آثار جانبية حادة، مقارنة بـ 10.6٪ من الذين تلقوا العلاج الكامل.
كما كانت نسبة دخول المستشفى بسبب العلاج أقل، حيث احتاج 8.5٪ من المرضى إلى دخول المستشفى مقارنة بـ 13.2٪ ممن تلقوا العلاج القياسي.
ومع ذلك، أظهرت النتائج أيضًا أن الاختبار وحده غير كافٍ لتحديد من يمكنه الاستغناء عن العلاج الكيماوي دون المخاطرة بنقص العلاج.
لكن تحليلًا فرعيًا للمرضى المصابين بأورام منخفضة الخطورة في المرحلة الثالثة – أي الذين كانت ثلاث عقد لمفاوية فقط موجبة للورم – أظهر أن هذا النهج “ليس أدنى من العلاج التقليدي”.
من الناحية الطبية، يعني ذلك أن العلاج الجديد ليس أسوأ من العلاج الحالي بشكل غير مقبول، حتى وإن لم يثبت تفوقه عليه بعد.
وقال الباحثون من مركز بيتر ماكالوم للسرطان في ملبورن:
“المرضى المصابون بسرطان القولون في المرحلة الثالثة والذين كانت نتائج اختبار ctDNA لديهم سلبية بعد الجراحة، لديهم خطر منخفض لعودة المرض.”
وأضافوا أن “تخفيض جرعات العلاج الكيماوي الموجّه بنتائج اختبار ctDNA أمر ممكن، خاصة للمرضى منخفضي الخطورة.”
وسيتم عرض نتائج التجربة كاملة في المؤتمر السنوي للجمعية الأوروبية لعلم الأورام الطبي في برلين.
وقال البروفيسور ماركو غيرلينغر، استشاري الأورام في مستشفى سانت بارثولوميو في لندن – والذي لم يشارك في البحث – إن:
“مشكلة كبيرة في الممارسة السريرية أننا نُفرِط في علاج العديد من المرضى، إذ إن نحو 50٪ منهم يكونون قد تعافوا بالفعل بفضل الجراحة وحدها.”
وأضاف:
“حتى وقت قريب، لم يكن لدينا اختبار يحدد من لا يحتاج إلى العلاج الكيماوي.
هذه الدراسة استخدمت اختبار ctDNA متطورًا عالي الحساسية للكشف عن الحمض النووي للورم في الدم.
رغم أن التجربة لا تغيّر الممارسة الطبية لجميع حالات المرحلة الثالثة من سرطان الأمعاء، إلا أنها في غاية الأهمية، ومن المرجح أن تؤثر على القرارات العلاجية مستقبلاً.
بالنسبة للمرضى منخفضي الخطورة، يمكنهم اتخاذ قرار مدروس بتقليل أو تجنّب العلاج الكيماوي إذا جاءت نتيجة الاختبار سلبية، حيث أظهرت التجربة أن هذا يقلل من الآثار الجانبية الشديدة.
ومع ذلك، نحتاج إلى مزيد من التجارب لتأكيد هذه النتائج وتحديد كيفية دمج اختبار ctDNA مع عوامل الخطورة الأخرى لتخصيص العلاج حسب تفضيلات المريض واحتمال عودة المرض.”
ويُسجَّل سنويًا نحو 44 ألف حالة سرطان أمعاء في المملكة المتحدة و142 ألف حالة في الولايات المتحدة، مما يجعله رابع أكثر أنواع السرطان شيوعًا في كلا البلدين.
ومن أبرز أعراض المرض تغيّرات في حركة الأمعاء، مثل الإسهال أو الإمساك المستمر والجديد، أو الشعور بالحاجة المتكررة للتغوط أو خروج دم مع البراز.
كما تشمل الأعراض آلام البطن، وجود كتلة في البطن، الانتفاخ، فقدان الوزن غير المبرر، والشعور بالتعب العام.
وينصح الأطباء كل من يعاني من هذه الأعراض بمراجعة الطبيب العام لإجراء الفحوص اللازمة.
وعلى الرغم من أن معظم حالات سرطان الأمعاء تصيب من تجاوزوا الخمسين عامًا، إلا أن معدلات الإصابة بين الشباب ارتفعت بنسبة 50٪ خلال الثلاثين عامًا الماضية، بينما بقيت مستقرة أو انخفضت لدى الفئات الأكبر سنًا.
وتُقدّر مؤسسة بحوث السرطان في المملكة المتحدة (Cancer Research UK) أن أكثر من نصف حالات سرطان الأمعاء (54٪) يمكن الوقاية منها من خلال نمط حياة صحي وفحوص دورية مبكرة.

