أنماط الحياة

هوس تتبّع النوم: كيف تحوّل الذكاء الاصطناعي إلى خصم لنومنا الهادئ؟

أول ما تفعله آني وشريكها عند الاستيقاظ صباحًا هو سؤال بعضهما البعض عن مدى جودة نومهما.
تقول آني: “وغالبًا ما أجيب: لست متأكدة بعد، دعني أتحقق” – ثم تمد يدها إلى ساعتها الذكية.

بدأت آني بمراقبة نومها لأنها كانت قلقة من أنها لا تحصل على نوم كافٍ أو بجودة جيدة. والآن، أصبحت تصف نفسها بأنها “مهووسة ببيانات النوم”، تحلّل بيانات نومها بحثًا عن مؤشرات تتعلق بصحتها العامة ورفاهيتها، وتستخدمها لاتخاذ قرارات حياتية، بل وأحيانًا لتحديد حجم المهام التي تستطيع إنجازها خلال اليوم.

تشهد مراقبة النوم طفرة صناعية ضخمة، تشبه ما أحدثته تطبيقات وأجهزة مثل Fitbit وStrava في تتبع النشاط البدني. وتشير تقارير السوق إلى أن هذه الصناعة مربحة وتنمو بسرعة هائلة، إذ توجد اليوم أجهزة متعددة: خواتم وأطواق للرأس وساعات وأجهزة توضع تحت الفراش أو بجانب السرير – جميعها تعد المستخدم بنوم مثالي يجعل “ريب فان وينكل” (من القصص الخيالية عن النوم الطويل) يشعر بالغيرة.

تقدّر الإحصاءات أن 40% من الأستراليين لا يحصلون على نوم جيد بما فيه الكفاية، وأن واحدًا من كل عشرة يعاني من الأرق المزمن. تقول الدكتورة هانا سكوت، الباحثة البارزة في معهد فليندرز لأبحاث الصحة والطب في أديلايد، والمشاركة في اختراع جهاز يمكن ارتداؤه لعلاج الأرق:

“نعرف أن هناك كثيرًا من الناس قلقون بشأن نومهم وما إذا كانوا يحصلون على قدر كافٍ منه، خاصة عندما لا يحققون عدد الساعات الموصى بها في الإرشادات الطبية.”

وترى سكوت أن انتشار استخدام أجهزة تتبع النوم أمر إيجابي بشكل عام، إذ تقول:

“لقد ساهمت بالتأكيد في زيادة الوعي بأهمية النوم وأنماط النوم الصحية، لذلك أعتقد أن تأثيرها العام إيجابي.”

لكنها تحذر أيضًا من الجانب المظلم:

“إذا حاولت أكثر في ممارسة الرياضة ستصبح أكثر لياقة، لكن في النوم الأمر معكوس – فكلما حاولت النوم أكثر، أصبح النوم أصعب.”
وتضيف:
“قد نخلق مشكلة جديدة تتمثل في أن الناس يصبحون مهووسين بتحسين نومهم أكثر من اللازم.”

وقد أُطلق على هذه الظاهرة اسم “الأرثوسومنيا” (Orthosomnia) – أي الانشغال غير الصحي ببيانات تتبع النوم.

أدق وسيلة علمية لقياس جودة النوم هي دراسة تخطيط النوم (Polysomnography)، حيث يُطلب من الشخص قضاء ليلة في مختبر خاص بالنوم بينما يتم ربط رأسه وجسمه بأقطاب كهربائية تقيس نشاط الدماغ، وحركة العينين، والتنفس، وضربات القلب، وحركة العضلات، ومستوى الأوكسجين في الدم.
ويشرح البروفيسور كريستوفر غوردون، أستاذ صحة النوم في جامعة ماكواري في سيدني، أن هذه الطريقة توفّر معلومات دقيقة عن مراحل النوم المختلفة، وعدد مرات الاستيقاظ، ومدة الانتقال إلى النوم.

أما الأجهزة القابلة للارتداء، مثل الساعات الذكية، فهي أقل دقة بكثير، لأنها لا تقيس نشاط الدماغ، بل تكتفي بقياس معدل ضربات القلب، ودرجة الحرارة، والحركة، ومستويات الأوكسجين، وتستعين بخوارزميات لتحديد ما إذا كان الشخص نائمًا أو مستيقظًا.
يقول غوردون:

“بعض الأجهزة تعتمد فقط على حركة الذراعين لتحديد النوم أو اليقظة، وهذا لا يتوافق كثيرًا مع ما يحدث فعليًا في الدماغ.”

وتشير الدكتورة جين والش، مديرة مركز علوم النوم في جامعة أستراليا الغربية، إلى أنه لا يوجد تعريف واضح لماهية “النوم الجيد”، إذ تقول:

“حتى بين خبراء النوم، هناك نقاش حول ما الذي يشكّل نومًا جيدًا فعلاً. فكمية النوم سهلة القياس، لكن الجودة أكثر تعقيدًا لأنها تشمل عمق النوم، وعدد مرات الاستيقاظ، وطولها.”

توصي الإرشادات الحالية بأن ينام البالغون من 7 إلى 9 ساعات يوميًا، لكن لا يوجد إجماع علمي على النسبة المثالية لكل مرحلة من مراحل النوم (العميق، الخفيف، وحركة العين السريعة REM).

وتضيف الدكتورة مايا شينكر، الباحثة في جامعة ملبورن:

“جودة النوم أمر شخصي جدًا، فقد يشعر الإنسان أنه لم ينم جيدًا رغم أن بيانات المختبر تقول العكس.”
حتى المصابون بالأرق المزمن أحيانًا تظهر نتائج نومهم في المختبر أفضل بكثير مما يشعرون به فعليًا.

تقول رايتشل، التي تستخدم خاتمًا ذكيًا لتتبع نومها:

“اكتشفت أنني أنام أفضل عندما أمارس البيلاتس مساءً.”
بينما لاحظت آني أن تناول كأس من النبيذ مساءً يرفع معدل ضربات قلبها أثناء النوم بنسبة 10%.

ويرى الخبراء أن هذا هو الاستخدام الأكثر فائدة لأجهزة تتبع النوم: مساعدة الناس على فهم كيف تؤثر عاداتهم اليومية على نومهم وتحسينها.
تقول الدكتورة فانيسا هيل، عالمة النوم في جامعة CQ في أديلايد ومستشارة في “سامسونغ هيلث”:

“البيانات وحدها لا تغيّر السلوك عادة، لكن عندما ترسل الساعة تنبيهات مثل: ‘في اليوم السابق مشيت في هذا الوقت ونمت أفضل’ أو ‘توقفت عن شرب الكافيين مبكرًا فغفوت أسرع’، فذلك يحفّز الناس على التغيير. وهذا هو الاستخدام الأهم لهذه الأجهزة.”

تستخدم هيل ساعة ذكية وخاتمًا لمراقبة نومها، وتقول إنها تفحص مؤشرات نومها يوميًا، وخاصة معدل ضربات القلب أثناء النوم، لأنه قد يكشف عن بداية مرض قبل ظهور الأعراض.

“إذا لاحظت أن تذبذب معدل ضربات القلب ضعيف ليلة ما، أعتبر ذلك إنذارًا بأن جسمي يحتاج للراحة.”

ويؤكد الخبراء أن أجهزة تتبع النوم ليست أدوات تشخيصية طبية ولها قيود مهمة، لأن الخوارزميات التي تُدرّب على عينات من أشخاص أصحاء قد لا تعمل بدقة على أشخاص يعانون من أمراض تؤثر على الدورة الدموية أو التنفس.

ومع ذلك، يرى الدكتور دونالد لي، اختصاصي النوم في معهد وولكوك للأبحاث الطبية في سيدني، أن لهذه الأجهزة قيمة سلوكية كبيرة:

“إذا ساعدت الناس على الذهاب إلى السرير بنية النوم فعلاً، وإطفاء الأنوار مبكرًا، وتحسين عاداتهم، فهي تقوم بعمل رائع في تعزيز الصحة العامة.”

manager

Recent Posts

ترامب يقول إن سعر دواء أوزيمبيك سيتم خفضه

واشنطن، 16 أكتوبر (رويترز) – قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب يوم الخميس إن سعر دواء…

52 دقيقة ago

مهرجان “أم الإمارات” يعقد فعالياته في 3 مواقع مختلفة بإمارة أبوظبي

تنظِّم دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي مهرجان «أم الإمارات» بنسخته التاسعة في شهر ديسمبر 2025،…

8 ساعات ago

مفاجآت القرية العالمية تصل حتى مطار دبي.. الهدايا تسعد 1000 مسافر

استقبلت القرية العالمية، أحد أهم المتنزهات الثقافية في العالم والوجهة العائلية الأولى للثقافة والترفيه والتسوق…

8 ساعات ago

7 أعراض لا تتجاهلها.. فقد تشير إلى الإصابة بسرطان الدماغ

يُشكل سرطان الدماغ مرضاً مرعباً لأي شخص، لكن المرعب أكثر في هذا المرض أن أعراضه…

10 ساعات ago

رئيس “كلاود فلير” يطالب بريطانيا بفصل أدوات بحث “غوغل” عن زواحف الذكاء الاصطناعي

دخلت شركة كلاود فلير على خط المواجهة مع "غوغل"، مطالبةً الجهات التنظيمية في بريطانيا بفرض…

11 ساعة ago

ميناء خليفة يصعد للمركز 39 ضمن قائمة “لويدز” لأفضل موانئ العالم

أبوظبي في 22 أكتوبر/ وام/ أعلنت "مجموعة موانئ أبوظبي - ADX: ADPORTS"، الممكّن العالمي الرائد…

11 ساعة ago